روى الإمام أحمد والنسائي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم»، قال بعض العلماء: (هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان).اهـ
إنه استقبال ما أجله من استقبال، وترحيب ما أجله من ترحيب؛ فيه ترغيب وترهيب، فقد جاء رمضان تحريكًا لنفوس أهل الإيمان أصحاب الأنفس العلية المتجردة للواحد الديان، فيعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم عند استقبال هذا الضيف العزيز، أنه تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران, وتغل الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، فهذا نداء الخير.
فيا أهل الإيمان، الحقوا بالركب، وأحسنوا البداية، لتصلح النهاية، نافسوا الأخيار، اقتدوا بهدي سيد الأبرار في استقباله لهذا الشهر الكريم، فقد تنزلت الرحمات، وتوالت القسمات، وتقاربت الخطوات، وقلت الخطيئات، فاستبقوا الخيرات، قبل أن تخرجوا الزفرات، عندها لا تنفع الآهات، فهيهات هيهات.
أهلاً بشهرنا، أهلاً بضيفنا، أهلاً بمضمار سباق المتقين، ومجال تنافس الصالحين، صلاة وصيامًا وصدقة وقيام اجتماع والتئام، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
أخي المبارك, كم من إنسان لن يدرك هذا الموسم العظيم، وكم شخص لم يدرك هذا المشهد الكريم، توسدوا الثرى، والتحفوا التراب، وغادروا الأحباب، وانتهت صحائف أعمالهم بلا لقاء مع هذا الحبيب، أما أنت, فما زلت في وقت العمل، لم تنته المُهَل، ولم ينقض الأجل، تملأ صندوق أعمالك بما يرضي الله، وتتزود لتنجو يوم العرض والحساب، ونشر الكتاب، وتكسب صديقًا لك عند حلول رمسك، فأحسن الوثاق، فالطريق شاق، وسوف تعلم ذلك أخي الحبيب إذا التفت الساق بالساق، ووضعت في لحدك وأحكم عليك الخناق.
تزود قرينا من فعالك إنما
قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
فإن كنت مشغولاً بشيء فلا تكن
بغير الذي يرضى به الله تشغل
فلن يصحب الإنسان بعد مماته
إلى قبره إلا الذي كان يعمل
ألا إنما الإنسان ضيف لأهله
يقيم قليلاً عندهم ثم يرحل
فاستفتح شهرك واستقبله بالحمد والمنة لله، فقل: الحمد لله على بلوغ موسم الأخيار، واقتد بالصحابة الأبرار والتابعين الأطهار، فهذا علي بن الفضل يروي لنا قصة السلف من الهمم العظيمة رجاء بلوغ الشهر الفضيل فيقول رحمه الله: (كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان... ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم).